قال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
فصل
فيما اعد الله تعالى في الجنة لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة
يا خاطب الحور الحسان وطالبا *** لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلب *** ت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعل *** ت السعي منك لها على الأجفان
ولقد وصفت طريق مسكنها فان *** رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحث السير جهدك إنما *** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدث بالوصال النفس واب *** ذل مهرها ما دمت ذا امكان
واجعل صيامك قبل لقياها ويو *** م الوصل يوم الفطر من رمضان
واجعل نعوت جمالها الحادي وسر *** تلقى المخاوف وهي ذات أمان
لا يلهينك منزل لعبت به *** أيدي البلى مذ سالف الأزمان
فلقد ترحل عنه كل مسرة *** وتبدلت بالهم والأحزان
سجن يضيق بصاحب الإيمان ل *** كن جنة المأوى لذي الكفران
سكانها أهل الجهالة والبطالة والسف *** اهة أنجس السكان
وألذهم عيشا فأجهلهم بحق *** الله ثم حقائق القرآن
عمرت بهم هذي الديار وأقفرت *** منهم ربوع العلم والإيمان
قد أثروا الدنيا ولذة عيشها ال *** فاني على الجنات والرضوان
صحبوا الأماني وابتلوا بحظوظهم ورضوا بكل مذهلة وهوان
كدحا وكدا لا يفتر عنهم *** ما فيه من غم ومن أحزان
والله لو شاهدت هاتيك الصدو *** ر رأيتها كمراجل النيران
ووقودها الشهوات والحسرات وال *** الآم لا تخبو مدى الأزمان
أبدانهم أجداث هايتك النفو *** س اللاء قد قبرت مع الأبدان
أرواحهم في وحشة وجسومهم *** في كدحها لا في رضى الرحمن
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** فبلوا برق النفس والشيطان
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم *** فقد ارتضوا بالذل والحرمان
لو ساوت الدنيا جناح بعوضة *** لم يسق منها الرب ذا الكفران
لكنها والله أحقر عنده *** من ذا الجناح القاصر الطيران
ولقد تولت بعد عن أصحابها *** فالسعد منها حل في الدبران
لا يرتجى منها الوفاء لصبها ***أين الوفا من غادر خوان
طبعت على كدر فكيف تنالها *** صفوا أهذا قط في الامكان
يا عاشق الدنيا تأهب للذي *** قد ناله العشاق كل زمان
أو ما سمعت بل رأيت مصارع من خلا *** من قبل من شيب ومن شبان