قاسم علي
10-05-2005, 11:23 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ،
وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
جاء في كتاب " نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد " لعبد اللطيف بن محمد بن أبي ربيع ( 1 / 516 ـ 521 ) طبعة مكتبة المعارف بالرياض
ما يلي :
( باب / فضل المفطر على الصائم في السفر
( 1 ) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
" أٌتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وهو بـ " مَر الظهران " ، فقال لأبي بكر وعمر :
ادنوا فكلا ، فقالا : إنا صائمان . فقال : ( ارْحَـلُوا لصاحبيكم ! وعملوا لصاحبيكم ! ادنوا فـَـكُلا " .
صحيح . " الصحيحة " برقم ( 85 ) .
* فائدة :
والغرض من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ارْحَـلُوا لصاحبيكم . . " : الإنكار ، وبيان أن الأفضل أن يُـفطرا ، ولا يُحْوِجا الناس إلى خدمتهما .
ويبين ذلك ما روى الفريابي ( 67 / 1 ) عن أبن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : " لا تصم في السفر ؛ فإنهم إذا أكلوا طعاماً ؛ قالوا : ارفعوا للصائم ! وإذا عملوا عملاً ؛ قالوا : اكفلوا للصائم ! فيذهبوا بأجرك " .
ورجاله ثقات .قلت : ففي الحديث توجيه كريم إلى خُـلُق قويم ، وهو الاعتماد على النفس ، وترك التواكل على الغير أو حملهم على خدمته ، ولو لسبب مشروع كالصيام .أفليس في الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون علمهم ، فيحملون الناس على التسارع في خدمتهم ، حتى في حمل نعالهم ؟ !ولئن قال بعضهم : لقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يخدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن خدمة ، حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم ، وهو عبد الله بن مسعود .
فجوابنا : نعم ؛ ولكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها ، واعتراف بأنهم ينظرون إليها على أنهم ورثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم هذا القياس ؟ ! وإيم الله ؛ لو كان لديهم نص على أنهم الورثة ، لم يجز لهم هذا القياس ؛ فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية ـ وخاصة منهم العشرة المبشرين بالجنة ـ فقد كانوا خدام أنفسهم ، ولم يكن واحد منهم يُـخْـدَم من غيره عُـشْر معشار ما يُـخْـدَم أولئك المعنيون من تلامذتهم ومريديهم ! فكيف وهم لا نص عندهم بذلك ؟ ! ولذلك فإني أقول : إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله . هدانا الله ـ تعالى ـ جميعاً سبيل التواضع والرشاد .
( 2 ) عن حمزة بن عمرو الأسلمي ـ رضي الله عنهم ـ ؛ أنه قال :
يا رسول الله ! أجد بي قوى على الصيام في السفر ؛ فهل على جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" هي رخصة ( يعني : الفطر في السفر ) من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم ؛ فلا جناح عليه " .
صحيح . " الصحيحة " برقم ( 192 ) .
* فائدة :
قال مجد الدين ابن تيمية في " المنتقى " :
( وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر " .
قلت : ووجه الدلالة قوله في الصائم : " فلا جناح عليه " ؛ أي : لا أثم عليه ؛ فإنه يُشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر ، لا سيما مع مقابلته بقوله في الفطر :
" فحسن " ، لكن هذا الظاهر غير مراد عندي ، والله أعلم ، وذلك لأن رفع الجناح في نص ما عن أمر ما لا يدل على أنه يجوز فعله وأنه لا حرج على فاعله ، وأما هل هذا الفعل مما يثاب عليه فاعله أو لا ، فشيء آخر ، لا يمكن أخذه من النص ذاته ، بل من نصوص أخرى خارجة عنه ، وهذا شيء معروف عند تتبع الأمور التي ورد رفع الجناح عن فاعلها ، وهي على قسمين :
أ ـ قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط ، مع استواء الفعل والترك ، وهذا هو الغالب ، ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم :
" خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب ، والحداة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور " .صحيح . " الصحيحة " برقم ( 193 ) .
ومن الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل ، ولا يفهم منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى .
ب ـ وقسم يراد به رفع الحرج عن الفعل ، مع كونه في نفسه مشروعاً له فضيلة ، بل قد يكون واجباً ، وإنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعاً لوهم أو زعم من قد يظن الحرج في فعله ، ومن أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال :
" سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقلت لها : أرأيت قول الله ـ تعالى ـ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ؛ فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ! قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي !
إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت : لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ! ولكنها أنزلت في الأنصار ، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فلما أسلموا ؛ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؛ قالوا : يا رسول الله ! إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يَطَّـوَّفَ بهما ) ، قالت ـ رضي الله عنها ـ : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ) .أخرجه البخاري ( 1 / 414 ) ، وأحمد ( 6 / 144 و 227 ) .
إذا تبين هذا ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : " ومن أحب أن يصوم ؛ فلا جناح عليه " ؛ لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم ، وليس فيه ما يدل على ترجيح الإفطار على الصيام .
ولكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة ؛ بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه ؛ فمن البديهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن ، وإذا كان كذلك ؛ فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن لا يدل على أنه من الصيام ؛ لأن الصيام أيضاً حسن كما عرفت ، وحينئذ لا يدل على أفضلية الفطر المدعاة ، بل على أنه والصيام متماثلان .
ويؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني رجل أسرد الصوم ، فأصوم في السفر ؟ قال : " صم إن شئت ، وأفطر إن شئت " .صحيح . " الصحيحة " برقم ( 194 ) .
قلت : فخيره صلى الله عليه وسلم بين الأمرين ، ولم يفضل أحدهما على الآخر ، والقصة واحدة ، فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة .ويقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في " المرقاة " إن الحديث دليل على أفضلية الصوم ، ثم تكلف في توجيه ذلك .
والحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل ، على ما ذكرناه من التفصيل .
نعم ؛ يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول : " إن الله يحب أن تُـؤتى رخصه كما يكره أن تُـوتى معصيته ( وفي رواية : كما يحب أن تؤتى عزائمه ) " .
وهذا لا مناص من القول به ، لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء ، وليس عليه حرج في الأداء ، وإلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود . فتأمل .
وأما حديث : " من أفطر ( يعني : في السفر ) فرخصة ، ومن صام فالصوم أفضل " فهو حديث شاذ لا يصح ، والصواب أنه موقوف على أنس ؛ كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " ( برقم 936 ) ، ولو صح ؛ لكان نصاً في محل النزاع لا يقبل الخلاف ، وهيهات ؛ فلا بد حينئذ من الاجتهاد والاستنباط ، وهو يقتضي خلاف ما أطلقه هذا الحديث الموقوف ، وهو التفصيل الذي ذكرته . والله الموفق .
( 3 ) يُـذكر عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة ، ومن صام فالصوم افضل " . ضعيف شاذ ، " الضعيفة " برقم ( 932 ) .
* فائدة :
وقد أختلف العلماء ، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة ، ولا شك أن الإفطار فيه رخصة ، والأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من القضاء ، وإلا فالأحب لدينا حينئذ الصيام ، والله أعلم .ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار " أو غيره من كتب أهل العلم والتحقيق ) اهـ .
من فقه الشيخ الألباني في مسائل الصيام .
وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم إلى يوم الدين ، أما بعد :
جاء في كتاب " نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد " لعبد اللطيف بن محمد بن أبي ربيع ( 1 / 516 ـ 521 ) طبعة مكتبة المعارف بالرياض
ما يلي :
( باب / فضل المفطر على الصائم في السفر
( 1 ) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
" أٌتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وهو بـ " مَر الظهران " ، فقال لأبي بكر وعمر :
ادنوا فكلا ، فقالا : إنا صائمان . فقال : ( ارْحَـلُوا لصاحبيكم ! وعملوا لصاحبيكم ! ادنوا فـَـكُلا " .
صحيح . " الصحيحة " برقم ( 85 ) .
* فائدة :
والغرض من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ارْحَـلُوا لصاحبيكم . . " : الإنكار ، وبيان أن الأفضل أن يُـفطرا ، ولا يُحْوِجا الناس إلى خدمتهما .
ويبين ذلك ما روى الفريابي ( 67 / 1 ) عن أبن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : " لا تصم في السفر ؛ فإنهم إذا أكلوا طعاماً ؛ قالوا : ارفعوا للصائم ! وإذا عملوا عملاً ؛ قالوا : اكفلوا للصائم ! فيذهبوا بأجرك " .
ورجاله ثقات .قلت : ففي الحديث توجيه كريم إلى خُـلُق قويم ، وهو الاعتماد على النفس ، وترك التواكل على الغير أو حملهم على خدمته ، ولو لسبب مشروع كالصيام .أفليس في الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون علمهم ، فيحملون الناس على التسارع في خدمتهم ، حتى في حمل نعالهم ؟ !ولئن قال بعضهم : لقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يخدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن خدمة ، حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم ، وهو عبد الله بن مسعود .
فجوابنا : نعم ؛ ولكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها ، واعتراف بأنهم ينظرون إليها على أنهم ورثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم هذا القياس ؟ ! وإيم الله ؛ لو كان لديهم نص على أنهم الورثة ، لم يجز لهم هذا القياس ؛ فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية ـ وخاصة منهم العشرة المبشرين بالجنة ـ فقد كانوا خدام أنفسهم ، ولم يكن واحد منهم يُـخْـدَم من غيره عُـشْر معشار ما يُـخْـدَم أولئك المعنيون من تلامذتهم ومريديهم ! فكيف وهم لا نص عندهم بذلك ؟ ! ولذلك فإني أقول : إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله . هدانا الله ـ تعالى ـ جميعاً سبيل التواضع والرشاد .
( 2 ) عن حمزة بن عمرو الأسلمي ـ رضي الله عنهم ـ ؛ أنه قال :
يا رسول الله ! أجد بي قوى على الصيام في السفر ؛ فهل على جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" هي رخصة ( يعني : الفطر في السفر ) من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم ؛ فلا جناح عليه " .
صحيح . " الصحيحة " برقم ( 192 ) .
* فائدة :
قال مجد الدين ابن تيمية في " المنتقى " :
( وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر " .
قلت : ووجه الدلالة قوله في الصائم : " فلا جناح عليه " ؛ أي : لا أثم عليه ؛ فإنه يُشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر ، لا سيما مع مقابلته بقوله في الفطر :
" فحسن " ، لكن هذا الظاهر غير مراد عندي ، والله أعلم ، وذلك لأن رفع الجناح في نص ما عن أمر ما لا يدل على أنه يجوز فعله وأنه لا حرج على فاعله ، وأما هل هذا الفعل مما يثاب عليه فاعله أو لا ، فشيء آخر ، لا يمكن أخذه من النص ذاته ، بل من نصوص أخرى خارجة عنه ، وهذا شيء معروف عند تتبع الأمور التي ورد رفع الجناح عن فاعلها ، وهي على قسمين :
أ ـ قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط ، مع استواء الفعل والترك ، وهذا هو الغالب ، ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم :
" خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب ، والحداة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور " .صحيح . " الصحيحة " برقم ( 193 ) .
ومن الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل ، ولا يفهم منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى .
ب ـ وقسم يراد به رفع الحرج عن الفعل ، مع كونه في نفسه مشروعاً له فضيلة ، بل قد يكون واجباً ، وإنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعاً لوهم أو زعم من قد يظن الحرج في فعله ، ومن أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال :
" سألت عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقلت لها : أرأيت قول الله ـ تعالى ـ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ؛ فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ! قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي !
إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت : لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ! ولكنها أنزلت في الأنصار ، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فلما أسلموا ؛ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؛ قالوا : يا رسول الله ! إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يَطَّـوَّفَ بهما ) ، قالت ـ رضي الله عنها ـ : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ) .أخرجه البخاري ( 1 / 414 ) ، وأحمد ( 6 / 144 و 227 ) .
إذا تبين هذا ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : " ومن أحب أن يصوم ؛ فلا جناح عليه " ؛ لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم ، وليس فيه ما يدل على ترجيح الإفطار على الصيام .
ولكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة ؛ بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه ؛ فمن البديهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن ، وإذا كان كذلك ؛ فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن لا يدل على أنه من الصيام ؛ لأن الصيام أيضاً حسن كما عرفت ، وحينئذ لا يدل على أفضلية الفطر المدعاة ، بل على أنه والصيام متماثلان .
ويؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني رجل أسرد الصوم ، فأصوم في السفر ؟ قال : " صم إن شئت ، وأفطر إن شئت " .صحيح . " الصحيحة " برقم ( 194 ) .
قلت : فخيره صلى الله عليه وسلم بين الأمرين ، ولم يفضل أحدهما على الآخر ، والقصة واحدة ، فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة .ويقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في " المرقاة " إن الحديث دليل على أفضلية الصوم ، ثم تكلف في توجيه ذلك .
والحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل ، على ما ذكرناه من التفصيل .
نعم ؛ يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول : " إن الله يحب أن تُـؤتى رخصه كما يكره أن تُـوتى معصيته ( وفي رواية : كما يحب أن تؤتى عزائمه ) " .
وهذا لا مناص من القول به ، لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء ، وليس عليه حرج في الأداء ، وإلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود . فتأمل .
وأما حديث : " من أفطر ( يعني : في السفر ) فرخصة ، ومن صام فالصوم أفضل " فهو حديث شاذ لا يصح ، والصواب أنه موقوف على أنس ؛ كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " ( برقم 936 ) ، ولو صح ؛ لكان نصاً في محل النزاع لا يقبل الخلاف ، وهيهات ؛ فلا بد حينئذ من الاجتهاد والاستنباط ، وهو يقتضي خلاف ما أطلقه هذا الحديث الموقوف ، وهو التفصيل الذي ذكرته . والله الموفق .
( 3 ) يُـذكر عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة ، ومن صام فالصوم افضل " . ضعيف شاذ ، " الضعيفة " برقم ( 932 ) .
* فائدة :
وقد أختلف العلماء ، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة ، ولا شك أن الإفطار فيه رخصة ، والأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من القضاء ، وإلا فالأحب لدينا حينئذ الصيام ، والله أعلم .ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار " أو غيره من كتب أهل العلم والتحقيق ) اهـ .
من فقه الشيخ الألباني في مسائل الصيام .