محب الأثري
04-28-2004, 04:08 PM
بيان منهج الحافظ الذهبي في كتابه " التلخيص " .
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذا بيان لمنهج الحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله في كتابه " التلخيص " ، أضعه بين يدي إخواني الكرام ؛ حتى يُعرف ويُتصور ويُستفاد من هذا الحافظ الناقد البصير كما استفاد منه العلماء الذين جاءوا من بعده ، فإليكم هذا البيان .
أولا : مجمل منهج الحافظ الذهبي في كتابه " التلخيص " :
الناظر في هذا الكتاب يجد الحافظ الذهبي يحذف بعض الإسناد ويذكر بعضه ، ويذكر المتن ، وقد يختصره أو يتصرف فيه أحيانا ، ثم يذكر كلام الحاكم ، فيتعقبه ، أو يقره ، وقد يسكت عنه .
وعندما يحذف الذهبي بعض الإسناد إنما يحذف الرواة الذين لا كلام له فيهم ، ويبقى في الإسناد الرجل الذي يريد أن يتكلم عنه ، أو على الأقل الرجل الذي اختلفت فيه عبارات الأئمة .
هذا مجمل منهجه في كتابه " التلخيص " .
ثانيا : توضيح منهج الذهبي بالأمثلة :
أولا : بيان صور موافقة الذهبي للحاكم :
إذا قال الحاكم مثلا : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، ووجد الذهبي أن كلام الحاكم صحيح حكاه وذكره ولم يتعقبه بشيء .
فيقول بعد الانتهاء من الحديث : " خ - م " ، أي على شرط البخاري ومسلم .
وإذا صححه الحاكم على شرط البخاري فقط ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : " خ " ، أي على شرط البخاري .
وإذا صححه الحاكم على شرط مسلم ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : " م " ، أي على شرط مسلم .
وإذا صححه الحاكم فقط ، ولم يذكر أنه على شرط الشيخين أو أحدهما ، قال الذهبي : " صحيح " .
فهذه صور من أنواع موافقة الذهبي للحاكم على تصحيحه .
ثانيا : بيان صور تعقب الذهبي للحاكم :
الحاكم قد يصحح الحديث على شرط الشيخين .
فيقول الذهبي : " قلت : خ " .
فإذا جاء في التلخيص كلمة " قلت " فهي تعني تعقب الذهبي للحاكم .
فإذا قال : " قلت : خ " أي ليس الحديث على شرط الشيخين ، وإنما هو على شرط البخاري فقط .
وإذا قال : " قلت : م " ، أي ليس الحديث على شرط الشيخين ، وإنما هو على شرط مسلم فقط .
وإذا قال : " قلت : صحيح " ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ولا أحدهما ، ولكنه صحيح فقط .
وإذا قال : " قلت : فيه فلان لم يخرجا له " ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ؛ لأنه فيه فلانا ولم يخرج له الشيخان .
ومثله إذا قال : " فيه فلان لم يخرج له البخاري " أو " مسلم " ، ومثله إذا قال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " أو " على شرط مسلم " .
وتعقبه الذهبي بأحد هذه التعقبات .
وقد يكون تعقب الذهبي بالنص على أن الشيخين أو أحدهما قد أخرجا الحديث ، فإذا قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، وكان قد أخرجه الشيخان ، نجد الذهبي في " التلخيص " يحكي كلام الحاكم فيقول : " خ - م " ، ثم يقول : " قلت : قد أخرجاه " ، أو أخرجه " خ " أي البخاري ، أو أخرجه " م " أي مسلم .
وقد يكون تعقب الذهبي للحكم بتضعيف الحديث ، فيحكم الحاكم على الحديث بالصحة على شرط الشيخين أو أحدهما أو بالصحة فقط ، ثم يقول الذهبي : " فيه فلان وهو ضعيف " ، أو " وهو واه " ، أو " له مناكير " ، أو يحكي الذهبي كلام العلماء فيه فيقول مثلا :
" فيه فلان ، وضعفه أبو حاتم ، وقال النسائي : ليس بثقة " .
وقد يكون تضعيفه للحديث بسبب انقطاع في سنده ، فيقول : " قلت : مرسل " .
وأحيانا قد يعلق الحاكم الحديث عن راو مشهور مثل شعبة بن الحجاج ؛ والسبب أنه يرى أن هذا الراوي هو مخرج الحديث .
فحينما يكون له على الإسناد كلام يعلق الحديث على الراوي الذي تدور عليه أسانيد الحديث مثل قوله : شعبة عن أبي بلج يحيي سمع عمرو بن ميمون الأزدي . . . إلخ .
ولا بد أن يبرز الراوي الذي يريد أن يتكلم فيه ، مثل قوله : شعبة عن أبي بلج قال : " م " ؛ أي أن الحاكم صححه على شرط مسلم ، قال الحاكم : " هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين ، وهو على شرط مسلم بن الحجاج " .
وطريقة الذهبي أن يختصر هذا الكلام كله ، فبدلا من أن يقول : " قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " بدلا من ذلك يحذف كل هذا الكلام ويعبر برمز صغير فقط هو " م " ، ومعناه أن الحاكم صححه على شرط مسلم .
وعندما قال : " م " قال : قلت : احتج " م " بأبي بلج . قلت ( أي الذهبي ) : لا يحتج به ، ووثق ، وقال البخاري : فيه نظر .
فالذهبي إما أنه يقر الحاكم أو يتعقبه ؛ فإذا تعقبه فإنما يتعقبه بتصحيح أو بتضعيف أو ببيان أمر من الأمور .
فإذا قال الحاكم : هذا صحيح على شرط البخاري ، وحكى الذهبي كلام الحاكم ثم تركه ولم يعلق عليه ، قيل : إن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحه لهذا الحديث ، وذلك مثل قول الذهبي : " يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر لما بعث الجيوش نحو الشام مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع قالوا ، يا خليفة رسول الله تمشي ونحن ركب " خ - م " .
ويقصد الذهبي بـ " خ - م " أن هذا كلام الحاكم ؛ أي أن الحاكم صححه على شرط البخاري ومسلم ، فيختصر الذهبي كل هذا الكلام بقوله بين قوسين : " خ - م " .
وإذا لم يتعقب الذهبي الحاكم فيقال : إن الذهبي قد وافق الحاكم .
أما إذا تعقبه ، كأن يكون قد قال على الحديث : " إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم " ، فيقول الذهبي : " مرسل " .
أي ليس الحديث على شرط البخاري ومسلم ، فهذا الحديث ضعيف ؛ لأنه مرسل .
وقد أخرج الحاكم حديث " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " ، ولم يصححه على شرط البخاري ومسلم ، ولا على شرط واحد منهما ، وإنما سكت عنه ، فقال الذهبي : " قلت : لم يتكلم عليه المؤلف ، وإنما سكت عنه وهو صحيح ، لذلك لم أره يتكلم على أحاديث جمّة بعضها جيد ، وبعضها واه . . . إلخ " ، فقد تعقب الذهبي الحاكم في هذا الحديث بالتصحيح .
ومن أمثلة ذلك أيضا حديث عاصم عن زر بن حبيش قال :
" خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر بن الخطاب يمشي حافيا شيخا أصلع آدم أعسر أيسر ، طوالا مشرفا على الناس كأنه على دابة ببرد قطري يقول : عباد الله ، هاجروا ولا تهجروا ، وليتق أحدكم الأرنب يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فيأكلها ، ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنبل " .
فقد أخرج الحاكم هذا الحديث وسكت عنه ، فتعقبه الذهبي بقوله : " قلت : صحيح " .
فإذا أورد الذهبي كلام الحاكم مختصرا ولم يذكر بعده : " قلت " ، ولا ذكر كلاما ، فهذا يعني أنه يُوافق الحاكم .
وإذا قال : " قلت " ، فهذا يعني أنه تعقّب الحاكم .
ثالثا : بيان صورة سكوت الذهبي :
صورته إذا لم يذكر الذهبي شيئا ، لا كلام الحاكم ولا شيئا من قبل نفسه ؛ فهذا هو الذي يُقال عليه " سكوت الذهبي " .
ومن ذلك حديث زياد بن لبيد الأنصاري قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث أصحابه ، وهو يقول : " قد ذهب أوان العلم " قلت : أبي وأمي ، وكيف يذهب أوان العلم ونحن نقرأ القرآن ونعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا إلى أن تقوم الساعة ؟ فقال : " ثكلتك أمك يا ابن لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ، أوَ ليس اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما بشيء ؟ " .
قال الحاكم : هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
ولم يذكر الذهبي كلام الحاكم في الهامش ، ولم يعلق عليه . فمثل هذا يُقال عنه : سكت الذهبي عنه .
وهذه المسألة من المسائل التي يُخطىء فيها كثير من طلاب العلم في هذا الزمان . وأقول : في هذا الزمان ؛ لأنها لم تكن واردة من قبل .
فبعض طلبة العلم في الحديث - وبعضهم كتب هذا في بعض المؤلفات - يقول :
لا نقول : إن الذهبي يُوافق الحاكم ، فهذا الكلام غير صحيح ؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام ، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط ، فكيف تقولون إنه أقر الحاكم ؟
وللجواب على ذلك نقول : تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم ؛ فالذهبي أحيانا يتعقب الحاكم ، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب ، وأحيانا يحكي كلام الحاكم فقط ، فإذا حكاه يقال له : إقرار وموافقة ، وقد بينت مثاله ، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقا ولا يتعقبه بشيء ، فإن هذا سكوت . فهي إذن ثلاثة أحوال : تعقب ، وإقرار ، وسكوت .
ومثال السكوت :
نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمّارة بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال : " انزل من القبر ؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك " .
فهذا الحديث سكت عنه الحاكم وسكت عنه الذهبي أيضا ، ولكن الذهبي حينما سكت عنه ، لم يسكت عنه فيما يظهر ، لأنه لا يحوره فيه الكلام ، بل إنه علق الحديث عن ابن لهيعة ، فحينما علق الحديث عن ابن لهيعة ، وكأنه يشير إلى مَن يقف على الحديث أني أبرزت لك ابن لهيعة فاعرف أنه هو الذي يعتبر علة هذا الحديث .
فأحيانا قد يصنع الذهبي هذا الصنيع ، ويشير للعلة مجرد إشارة بطريقة تعليقه للحديث بهذه الصورة ، وأحيانا لا يصنع هذا .
وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم ، وبعض المؤلفين يرون أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث : إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه ، كأن يقول الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، فيذكر الذهبي هذا الحديث في " التلخيص " ويقول : " خ ، م " ، أي أن الحاكم قال : على شرط البخاري ومسلم ، ثم لا يتعقبه بشيء - هم يقولون حينذاك : لا يجوز لكم أن تقولوا : إن الذهبي وافق الحاكم . ونحن نقول : إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة .
ومنشأ النزاع أنهم يقولون : الذهبي لم يصرح بموافقة الحاكم ، فهو لم يقل : أصاب الحاكم ، أو : إنني أوافق الحاكم ، ولم ينص في المقدمة على إنني إذا قلت كذا فأنا موافق للحاكم ، فكيف تنسبون للذهبي ما لم يقله ؟ !
نقول لهم : أولا عرف دائما أن الإنسان حين يحكي كلام عالم من العلماء في مقام من المقامات ولا ينتقده ولا يتعقبه بشيء فهو مقر له .
مثال : لو أحدكم سألني في مسألة من المسائل ، ولتكن مسألة الطلاق ثلاثا فقال لي : ما تقول في الطلاق ثلاثا ؟ فقلت له : الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يقع واحدة .
فأنا حينما أذكر كلام الشيخ ابن باز ولا أتعقبه بشيء يكون مقصودي موافقته على مثل هذا ، ولو لم يكن الأمر كذلك لقلت : الشيخ عبد العزيز يرى كذا ، وأنا أرى كذا ، هذا من الناحية اللغوية المنهجية عند العلماء .
ثم إننا إذا نظرنا لصنيع الأئمة من قبل الذهبي حتى هذا العصر الذي خرج فيه ، فإذا بنا نجد أن أحدا منهم لم يخالف هذا المنهج ، بل إن الزيلعي في " نصب الراية " وهو تلميذ الذهبي - حينما ينقل تصحيح الحاكم يقول في بعض الأحيان : " ووافقه الذهبي " .
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن ، وابن الملقن في طبقة الزيلعي ، ولكن لست أردي هل تتلمذ على الذهبي أم لا . يقول في اختصاره لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي " .
قال : أخرج الحاكم هذا الحديث وصححه وتُعقب عليه . ثم بعد ذلك بأوراق في ترجمة فاطمة رضي الله عنها من حديث المسور بن مخرمة مرفوعا : " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " ، ثم قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي عليه .
فهذا كلام ابن الملقن ، وهو في طبقة تلاميذ الذهبي ، فهم كانوا عارفين بأن صنيع الذهبي هذا يعني إقراره للحاكم على هذا التصحيح على هذه الصورة ؛ لأننا حين نرجع إلى الحديث الذي ذكره نجد الحاكم قال : " حديث صحيح الإسناد " ثم حكى الذهبي كلامه فقال : صحيح ، أي أنه كلام الحاكم ولم يتعقبه بشيء ، فاعتبر ابن الملقن هذا إقرارا من الذهبي .
. ثم إن باقي الأئمة كذلك ، مثل أحمد شاكر والشيخ الألباني وأمثال هؤلاء ، بل حتى ابن حجر والسيوطي ، . . مَن نظر في تخريجاتهم وجد من هذا جملة .
- أوهام الذهبي في " التلخيص " :-
ومما ينبغي لنا أن نعلمه أن الذهبي قد وقع في أوهام كثيرة في " التلخيص " ، ومنها في موافقاته للحاكم ، وأحيانا في كلامه على بعض الرواة ، وعُذره في ذلك أنه ألفه في مقتبل العمر . . ويتضح هذا في اختلاف رأيه في بعض المسائل وفي بعض الرجال بين كتابه " التلخيص " وبين كتبه المتأخرة كـ " ميزان الاعتدال " .
وقد اعترف الذهبي في ترجمة الحاكم في " سير أعلام النبلاء " بأن عمله هذا يحتاج إلى إعادة نظر وتحرير .
كل ما سبق مأخوذ من كتاب ( مناهج المحدثين ) ( ص 205 - 214 ) لسعد الحميد ( بتصرف ) .
وقد سئل الشيخ الألباني - رحمه الله - عن سكوت الذهبي عما يذكره الحاكم في المستدرك على شرط البخاري ، على شرط مسلم ، صحيح الإسناد ، على شرطهما . هل يحمل صنيع الحافظ الذهبي في تلخيصه على أنه إقرار وموافقة للحاكم فيما قال من صحة أو شرط الشيخين أو أحدهما ؟ أو يُقال أنه قصد التلخيص وما اعتنى بالتحقيق ؟ .
فأجاب الشيخ الألباني قائلا :
( أولا في ظني أنه لا يخفى عليك أن الواقع في النسخة المطبوعة من المستدرك ظاهرتان اثنتان في التلخيص المطبوع في النصف الأدنى من المستدرك .
الظاهرة الأولى : أن يلحق الحديث حينما يتعقبه بقوله : " قلت " فهذا لا يحتاج إلى بحث ومناقشة .
الظاهرة الثانية : أنه يضع خلاصة حكم الحاكم في الأعلى بالنسبة للمطبوع ، إذا كان قال : على شرط الشيخين ، فهو يضع " خ م " وإذا كان على شرط أحدهما فيضع " خ أو م " .
في مثل هاتين الظاهرتين هنا نستطيع أن نقول وافق أو خالف .
هناك شيء آخر وهو بيض لم يقل : لا ، " قلت " استدراكا ، ولا موافقة " خ م " ، ولا " خ أو م " .
هنا ما نستطيع أن ننسب إلى الذهبي شيئا وإنما نقول الواقع : سكت عنه الذهبي .
لكن سكوت الذهبي لا نعتبره موافقة كما قلنا في ظاهرة من الظاهرتين السابقتين :
إذا قال : " خ م " هذه موافقة . قال : " خ أو م " هذه موافقة .
إذا قال منتقدا : " قلت " : فيه كذا أو بالدبوس ، فلا شك أن هذه مخالفة .
أما ما سكت عنه فلا موافقة ولا اعتراض ، لماذا ؟ .
قد يكون الأمر أنه - وهذا الذي أعتقده - أصاب الذهبي ما أصاب مؤلف أصله ، وهو الحاكم أنه
سوّد ، ولم يبيّض ، وهكذا الذهبي - فيما أظن - كان يمر مرا سريعا معتمدا على حافظته وذاكرته
فينقد .
ولذلك نلمس ونأخذ عليه بعض الأوهام التي نقابلها بما يذكره في " الميزان " وفي غيره من كتبه ،
أنها تختلف مع نقده المذكور في التلخيص . فهذه الذي أعتقده . .. ) اهـ .
وسئل الشيخ الألباني أيضا :
السؤال : قول وقفت عليه للحافظ الذهبي في ترجمة الحاكم في سير أعلام النبلاء ( 17 / 176 ) لما تكلم عن المستدرك ؛ وما فيه من أحاديث وقسمه إلى أقسام وفي الأخير قال : " قد اختصرته ، ويعوز عملا وتحريرا " ، فهل من الممكن أن يستدل بهذه الكلمة على أن سكوت الذهبي ، أو مجرد خ م ، أو خ ، أو م ، ليس إقرارا إنما هو تلخيص ويحتاج إلى عمل ؟ أو ماذا يُحمل كلام الحافظ الذهبي في ترجمة الحاكم ؟
أجاب الشيخ :
ممكن حمله على الصورة الثالثة التي ذكرتها القسم الذي بيّض فيه .
( الدرر في مسائل المصطلح والأثر ) ( ص 45 - 47 ) .
وفي الصورة الثالثة هذه يقول الشيخ الألباني - رحمه الله - في ( الصحيحة ) ( 6 / 1 / 440 ) :
( وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . قلت ( أي الألباني ) : بيّض له الذهبي ، وأما المنذري
فنقل عنه في " الترغيب " ( 3 / 197 ) أنه قال : " صحيح على شرطهما " وأقرّه ) .
فإذن يتضح مما سبق أن الحافظ الذهبي له ثلاث حالات في كتابه " التلخيص " :
الحالة الأولى : الإقرار أو الموافقة أو عدم التعقب .
الحالة الثانية : التعقب .
الحالة الثالثة : السكوت أو بيّض يعني ترك بياض وفراغ لم يذكر فيه شيئا .
أقول : وهذه الحالة الثالثة تعد من القرائن الدالة على أن الحافظ الذهبي لم يكن عمله مجرد التلخيص فقط إذ لو كان كذلك ، فلِمَ بيّض ؟ ! ، مادام أنها عملية تلخيص فقط ، فتأمل .
وتبين أيضا مما سبق صورة كل حالة .
ولا يفوتني أن أذكر أن أخانا الفاضل / سعد بن عواد العنزي أشار إلى ما سبق ، وأحب أن أشكره هنا على ما قدمه فجزاه الله خيرا .
كذلك أشكر الأخ الفاضل / مليحان بن مرهج الفايد على مشاركته وعلى الفائدة التي ذكرها وهي احتجاج الحافظ ابن حجر بإقرار الذهبي فجزاه الله خيرا .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
الكاتب : [ خليفة بن عيسى بوعركي ]
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فهذا بيان لمنهج الحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله في كتابه " التلخيص " ، أضعه بين يدي إخواني الكرام ؛ حتى يُعرف ويُتصور ويُستفاد من هذا الحافظ الناقد البصير كما استفاد منه العلماء الذين جاءوا من بعده ، فإليكم هذا البيان .
أولا : مجمل منهج الحافظ الذهبي في كتابه " التلخيص " :
الناظر في هذا الكتاب يجد الحافظ الذهبي يحذف بعض الإسناد ويذكر بعضه ، ويذكر المتن ، وقد يختصره أو يتصرف فيه أحيانا ، ثم يذكر كلام الحاكم ، فيتعقبه ، أو يقره ، وقد يسكت عنه .
وعندما يحذف الذهبي بعض الإسناد إنما يحذف الرواة الذين لا كلام له فيهم ، ويبقى في الإسناد الرجل الذي يريد أن يتكلم عنه ، أو على الأقل الرجل الذي اختلفت فيه عبارات الأئمة .
هذا مجمل منهجه في كتابه " التلخيص " .
ثانيا : توضيح منهج الذهبي بالأمثلة :
أولا : بيان صور موافقة الذهبي للحاكم :
إذا قال الحاكم مثلا : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، ووجد الذهبي أن كلام الحاكم صحيح حكاه وذكره ولم يتعقبه بشيء .
فيقول بعد الانتهاء من الحديث : " خ - م " ، أي على شرط البخاري ومسلم .
وإذا صححه الحاكم على شرط البخاري فقط ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : " خ " ، أي على شرط البخاري .
وإذا صححه الحاكم على شرط مسلم ، ورأى الذهبي أن ذلك صواب قال : " م " ، أي على شرط مسلم .
وإذا صححه الحاكم فقط ، ولم يذكر أنه على شرط الشيخين أو أحدهما ، قال الذهبي : " صحيح " .
فهذه صور من أنواع موافقة الذهبي للحاكم على تصحيحه .
ثانيا : بيان صور تعقب الذهبي للحاكم :
الحاكم قد يصحح الحديث على شرط الشيخين .
فيقول الذهبي : " قلت : خ " .
فإذا جاء في التلخيص كلمة " قلت " فهي تعني تعقب الذهبي للحاكم .
فإذا قال : " قلت : خ " أي ليس الحديث على شرط الشيخين ، وإنما هو على شرط البخاري فقط .
وإذا قال : " قلت : م " ، أي ليس الحديث على شرط الشيخين ، وإنما هو على شرط مسلم فقط .
وإذا قال : " قلت : صحيح " ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ولا أحدهما ، ولكنه صحيح فقط .
وإذا قال : " قلت : فيه فلان لم يخرجا له " ، فهو يعني أن الحديث ليس على شرط الشيخين ؛ لأنه فيه فلانا ولم يخرج له الشيخان .
ومثله إذا قال : " فيه فلان لم يخرج له البخاري " أو " مسلم " ، ومثله إذا قال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " أو " على شرط مسلم " .
وتعقبه الذهبي بأحد هذه التعقبات .
وقد يكون تعقب الذهبي بالنص على أن الشيخين أو أحدهما قد أخرجا الحديث ، فإذا قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، وكان قد أخرجه الشيخان ، نجد الذهبي في " التلخيص " يحكي كلام الحاكم فيقول : " خ - م " ، ثم يقول : " قلت : قد أخرجاه " ، أو أخرجه " خ " أي البخاري ، أو أخرجه " م " أي مسلم .
وقد يكون تعقب الذهبي للحكم بتضعيف الحديث ، فيحكم الحاكم على الحديث بالصحة على شرط الشيخين أو أحدهما أو بالصحة فقط ، ثم يقول الذهبي : " فيه فلان وهو ضعيف " ، أو " وهو واه " ، أو " له مناكير " ، أو يحكي الذهبي كلام العلماء فيه فيقول مثلا :
" فيه فلان ، وضعفه أبو حاتم ، وقال النسائي : ليس بثقة " .
وقد يكون تضعيفه للحديث بسبب انقطاع في سنده ، فيقول : " قلت : مرسل " .
وأحيانا قد يعلق الحاكم الحديث عن راو مشهور مثل شعبة بن الحجاج ؛ والسبب أنه يرى أن هذا الراوي هو مخرج الحديث .
فحينما يكون له على الإسناد كلام يعلق الحديث على الراوي الذي تدور عليه أسانيد الحديث مثل قوله : شعبة عن أبي بلج يحيي سمع عمرو بن ميمون الأزدي . . . إلخ .
ولا بد أن يبرز الراوي الذي يريد أن يتكلم فيه ، مثل قوله : شعبة عن أبي بلج قال : " م " ؛ أي أن الحاكم صححه على شرط مسلم ، قال الحاكم : " هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين ، وهو على شرط مسلم بن الحجاج " .
وطريقة الذهبي أن يختصر هذا الكلام كله ، فبدلا من أن يقول : " قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " بدلا من ذلك يحذف كل هذا الكلام ويعبر برمز صغير فقط هو " م " ، ومعناه أن الحاكم صححه على شرط مسلم .
وعندما قال : " م " قال : قلت : احتج " م " بأبي بلج . قلت ( أي الذهبي ) : لا يحتج به ، ووثق ، وقال البخاري : فيه نظر .
فالذهبي إما أنه يقر الحاكم أو يتعقبه ؛ فإذا تعقبه فإنما يتعقبه بتصحيح أو بتضعيف أو ببيان أمر من الأمور .
فإذا قال الحاكم : هذا صحيح على شرط البخاري ، وحكى الذهبي كلام الحاكم ثم تركه ولم يعلق عليه ، قيل : إن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحه لهذا الحديث ، وذلك مثل قول الذهبي : " يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن أبا بكر لما بعث الجيوش نحو الشام مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع قالوا ، يا خليفة رسول الله تمشي ونحن ركب " خ - م " .
ويقصد الذهبي بـ " خ - م " أن هذا كلام الحاكم ؛ أي أن الحاكم صححه على شرط البخاري ومسلم ، فيختصر الذهبي كل هذا الكلام بقوله بين قوسين : " خ - م " .
وإذا لم يتعقب الذهبي الحاكم فيقال : إن الذهبي قد وافق الحاكم .
أما إذا تعقبه ، كأن يكون قد قال على الحديث : " إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم " ، فيقول الذهبي : " مرسل " .
أي ليس الحديث على شرط البخاري ومسلم ، فهذا الحديث ضعيف ؛ لأنه مرسل .
وقد أخرج الحاكم حديث " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا " ، ولم يصححه على شرط البخاري ومسلم ، ولا على شرط واحد منهما ، وإنما سكت عنه ، فقال الذهبي : " قلت : لم يتكلم عليه المؤلف ، وإنما سكت عنه وهو صحيح ، لذلك لم أره يتكلم على أحاديث جمّة بعضها جيد ، وبعضها واه . . . إلخ " ، فقد تعقب الذهبي الحاكم في هذا الحديث بالتصحيح .
ومن أمثلة ذلك أيضا حديث عاصم عن زر بن حبيش قال :
" خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر بن الخطاب يمشي حافيا شيخا أصلع آدم أعسر أيسر ، طوالا مشرفا على الناس كأنه على دابة ببرد قطري يقول : عباد الله ، هاجروا ولا تهجروا ، وليتق أحدكم الأرنب يخذفها بالحصى أو يرميها بالحجر فيأكلها ، ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنبل " .
فقد أخرج الحاكم هذا الحديث وسكت عنه ، فتعقبه الذهبي بقوله : " قلت : صحيح " .
فإذا أورد الذهبي كلام الحاكم مختصرا ولم يذكر بعده : " قلت " ، ولا ذكر كلاما ، فهذا يعني أنه يُوافق الحاكم .
وإذا قال : " قلت " ، فهذا يعني أنه تعقّب الحاكم .
ثالثا : بيان صورة سكوت الذهبي :
صورته إذا لم يذكر الذهبي شيئا ، لا كلام الحاكم ولا شيئا من قبل نفسه ؛ فهذا هو الذي يُقال عليه " سكوت الذهبي " .
ومن ذلك حديث زياد بن لبيد الأنصاري قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث أصحابه ، وهو يقول : " قد ذهب أوان العلم " قلت : أبي وأمي ، وكيف يذهب أوان العلم ونحن نقرأ القرآن ونعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا إلى أن تقوم الساعة ؟ فقال : " ثكلتك أمك يا ابن لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ، أوَ ليس اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما بشيء ؟ " .
قال الحاكم : هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
ولم يذكر الذهبي كلام الحاكم في الهامش ، ولم يعلق عليه . فمثل هذا يُقال عنه : سكت الذهبي عنه .
وهذه المسألة من المسائل التي يُخطىء فيها كثير من طلاب العلم في هذا الزمان . وأقول : في هذا الزمان ؛ لأنها لم تكن واردة من قبل .
فبعض طلبة العلم في الحديث - وبعضهم كتب هذا في بعض المؤلفات - يقول :
لا نقول : إن الذهبي يُوافق الحاكم ، فهذا الكلام غير صحيح ؛ لأن الذهبي لا يُمكن أن يخفى عليه مثل هذا الكلام ، ونحن نجد أن الذهبي إنما يحكي كلام الحاكم فقط ، فكيف تقولون إنه أقر الحاكم ؟
وللجواب على ذلك نقول : تختلف أحوال الذهبي مع الحاكم ؛ فالذهبي أحيانا يتعقب الحاكم ، وقد أوردت بعض أمثلة التعقب ، وأحيانا يحكي كلام الحاكم فقط ، فإذا حكاه يقال له : إقرار وموافقة ، وقد بينت مثاله ، وأما أنه لا يذكر كلام الحاكم إطلاقا ولا يتعقبه بشيء ، فإن هذا سكوت . فهي إذن ثلاثة أحوال : تعقب ، وإقرار ، وسكوت .
ومثال السكوت :
نجد أن الذهبي سكت عن حديث عمّارة بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال : " انزل من القبر ؛ لا تؤذي صاحبه ولا يؤذيك " .
فهذا الحديث سكت عنه الحاكم وسكت عنه الذهبي أيضا ، ولكن الذهبي حينما سكت عنه ، لم يسكت عنه فيما يظهر ، لأنه لا يحوره فيه الكلام ، بل إنه علق الحديث عن ابن لهيعة ، فحينما علق الحديث عن ابن لهيعة ، وكأنه يشير إلى مَن يقف على الحديث أني أبرزت لك ابن لهيعة فاعرف أنه هو الذي يعتبر علة هذا الحديث .
فأحيانا قد يصنع الذهبي هذا الصنيع ، ويشير للعلة مجرد إشارة بطريقة تعليقه للحديث بهذه الصورة ، وأحيانا لا يصنع هذا .
وبعض طلبة العلم الذين أشرت إليهم ، وبعض المؤلفين يرون أننا حين نقول عن حديث من الأحاديث : إن الذهبي وافق الحاكم وأقره عليه ، كأن يقول الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ، فيذكر الذهبي هذا الحديث في " التلخيص " ويقول : " خ ، م " ، أي أن الحاكم قال : على شرط البخاري ومسلم ، ثم لا يتعقبه بشيء - هم يقولون حينذاك : لا يجوز لكم أن تقولوا : إن الذهبي وافق الحاكم . ونحن نقول : إن الذهبي وافق الحاكم في هذه الحالة .
ومنشأ النزاع أنهم يقولون : الذهبي لم يصرح بموافقة الحاكم ، فهو لم يقل : أصاب الحاكم ، أو : إنني أوافق الحاكم ، ولم ينص في المقدمة على إنني إذا قلت كذا فأنا موافق للحاكم ، فكيف تنسبون للذهبي ما لم يقله ؟ !
نقول لهم : أولا عرف دائما أن الإنسان حين يحكي كلام عالم من العلماء في مقام من المقامات ولا ينتقده ولا يتعقبه بشيء فهو مقر له .
مثال : لو أحدكم سألني في مسألة من المسائل ، ولتكن مسألة الطلاق ثلاثا فقال لي : ما تقول في الطلاق ثلاثا ؟ فقلت له : الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أنه يقع واحدة .
فأنا حينما أذكر كلام الشيخ ابن باز ولا أتعقبه بشيء يكون مقصودي موافقته على مثل هذا ، ولو لم يكن الأمر كذلك لقلت : الشيخ عبد العزيز يرى كذا ، وأنا أرى كذا ، هذا من الناحية اللغوية المنهجية عند العلماء .
ثم إننا إذا نظرنا لصنيع الأئمة من قبل الذهبي حتى هذا العصر الذي خرج فيه ، فإذا بنا نجد أن أحدا منهم لم يخالف هذا المنهج ، بل إن الزيلعي في " نصب الراية " وهو تلميذ الذهبي - حينما ينقل تصحيح الحاكم يقول في بعض الأحيان : " ووافقه الذهبي " .
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن ، وابن الملقن في طبقة الزيلعي ، ولكن لست أردي هل تتلمذ على الذهبي أم لا . يقول في اختصاره لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي " .
قال : أخرج الحاكم هذا الحديث وصححه وتُعقب عليه . ثم بعد ذلك بأوراق في ترجمة فاطمة رضي الله عنها من حديث المسور بن مخرمة مرفوعا : " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " ، ثم قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي عليه .
فهذا كلام ابن الملقن ، وهو في طبقة تلاميذ الذهبي ، فهم كانوا عارفين بأن صنيع الذهبي هذا يعني إقراره للحاكم على هذا التصحيح على هذه الصورة ؛ لأننا حين نرجع إلى الحديث الذي ذكره نجد الحاكم قال : " حديث صحيح الإسناد " ثم حكى الذهبي كلامه فقال : صحيح ، أي أنه كلام الحاكم ولم يتعقبه بشيء ، فاعتبر ابن الملقن هذا إقرارا من الذهبي .
. ثم إن باقي الأئمة كذلك ، مثل أحمد شاكر والشيخ الألباني وأمثال هؤلاء ، بل حتى ابن حجر والسيوطي ، . . مَن نظر في تخريجاتهم وجد من هذا جملة .
- أوهام الذهبي في " التلخيص " :-
ومما ينبغي لنا أن نعلمه أن الذهبي قد وقع في أوهام كثيرة في " التلخيص " ، ومنها في موافقاته للحاكم ، وأحيانا في كلامه على بعض الرواة ، وعُذره في ذلك أنه ألفه في مقتبل العمر . . ويتضح هذا في اختلاف رأيه في بعض المسائل وفي بعض الرجال بين كتابه " التلخيص " وبين كتبه المتأخرة كـ " ميزان الاعتدال " .
وقد اعترف الذهبي في ترجمة الحاكم في " سير أعلام النبلاء " بأن عمله هذا يحتاج إلى إعادة نظر وتحرير .
كل ما سبق مأخوذ من كتاب ( مناهج المحدثين ) ( ص 205 - 214 ) لسعد الحميد ( بتصرف ) .
وقد سئل الشيخ الألباني - رحمه الله - عن سكوت الذهبي عما يذكره الحاكم في المستدرك على شرط البخاري ، على شرط مسلم ، صحيح الإسناد ، على شرطهما . هل يحمل صنيع الحافظ الذهبي في تلخيصه على أنه إقرار وموافقة للحاكم فيما قال من صحة أو شرط الشيخين أو أحدهما ؟ أو يُقال أنه قصد التلخيص وما اعتنى بالتحقيق ؟ .
فأجاب الشيخ الألباني قائلا :
( أولا في ظني أنه لا يخفى عليك أن الواقع في النسخة المطبوعة من المستدرك ظاهرتان اثنتان في التلخيص المطبوع في النصف الأدنى من المستدرك .
الظاهرة الأولى : أن يلحق الحديث حينما يتعقبه بقوله : " قلت " فهذا لا يحتاج إلى بحث ومناقشة .
الظاهرة الثانية : أنه يضع خلاصة حكم الحاكم في الأعلى بالنسبة للمطبوع ، إذا كان قال : على شرط الشيخين ، فهو يضع " خ م " وإذا كان على شرط أحدهما فيضع " خ أو م " .
في مثل هاتين الظاهرتين هنا نستطيع أن نقول وافق أو خالف .
هناك شيء آخر وهو بيض لم يقل : لا ، " قلت " استدراكا ، ولا موافقة " خ م " ، ولا " خ أو م " .
هنا ما نستطيع أن ننسب إلى الذهبي شيئا وإنما نقول الواقع : سكت عنه الذهبي .
لكن سكوت الذهبي لا نعتبره موافقة كما قلنا في ظاهرة من الظاهرتين السابقتين :
إذا قال : " خ م " هذه موافقة . قال : " خ أو م " هذه موافقة .
إذا قال منتقدا : " قلت " : فيه كذا أو بالدبوس ، فلا شك أن هذه مخالفة .
أما ما سكت عنه فلا موافقة ولا اعتراض ، لماذا ؟ .
قد يكون الأمر أنه - وهذا الذي أعتقده - أصاب الذهبي ما أصاب مؤلف أصله ، وهو الحاكم أنه
سوّد ، ولم يبيّض ، وهكذا الذهبي - فيما أظن - كان يمر مرا سريعا معتمدا على حافظته وذاكرته
فينقد .
ولذلك نلمس ونأخذ عليه بعض الأوهام التي نقابلها بما يذكره في " الميزان " وفي غيره من كتبه ،
أنها تختلف مع نقده المذكور في التلخيص . فهذه الذي أعتقده . .. ) اهـ .
وسئل الشيخ الألباني أيضا :
السؤال : قول وقفت عليه للحافظ الذهبي في ترجمة الحاكم في سير أعلام النبلاء ( 17 / 176 ) لما تكلم عن المستدرك ؛ وما فيه من أحاديث وقسمه إلى أقسام وفي الأخير قال : " قد اختصرته ، ويعوز عملا وتحريرا " ، فهل من الممكن أن يستدل بهذه الكلمة على أن سكوت الذهبي ، أو مجرد خ م ، أو خ ، أو م ، ليس إقرارا إنما هو تلخيص ويحتاج إلى عمل ؟ أو ماذا يُحمل كلام الحافظ الذهبي في ترجمة الحاكم ؟
أجاب الشيخ :
ممكن حمله على الصورة الثالثة التي ذكرتها القسم الذي بيّض فيه .
( الدرر في مسائل المصطلح والأثر ) ( ص 45 - 47 ) .
وفي الصورة الثالثة هذه يقول الشيخ الألباني - رحمه الله - في ( الصحيحة ) ( 6 / 1 / 440 ) :
( وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . قلت ( أي الألباني ) : بيّض له الذهبي ، وأما المنذري
فنقل عنه في " الترغيب " ( 3 / 197 ) أنه قال : " صحيح على شرطهما " وأقرّه ) .
فإذن يتضح مما سبق أن الحافظ الذهبي له ثلاث حالات في كتابه " التلخيص " :
الحالة الأولى : الإقرار أو الموافقة أو عدم التعقب .
الحالة الثانية : التعقب .
الحالة الثالثة : السكوت أو بيّض يعني ترك بياض وفراغ لم يذكر فيه شيئا .
أقول : وهذه الحالة الثالثة تعد من القرائن الدالة على أن الحافظ الذهبي لم يكن عمله مجرد التلخيص فقط إذ لو كان كذلك ، فلِمَ بيّض ؟ ! ، مادام أنها عملية تلخيص فقط ، فتأمل .
وتبين أيضا مما سبق صورة كل حالة .
ولا يفوتني أن أذكر أن أخانا الفاضل / سعد بن عواد العنزي أشار إلى ما سبق ، وأحب أن أشكره هنا على ما قدمه فجزاه الله خيرا .
كذلك أشكر الأخ الفاضل / مليحان بن مرهج الفايد على مشاركته وعلى الفائدة التي ذكرها وهي احتجاج الحافظ ابن حجر بإقرار الذهبي فجزاه الله خيرا .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
الكاتب : [ خليفة بن عيسى بوعركي ]